اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 228
أخذ الأشراف يعدون أنفسهم للزعامة المنتظرة، ولكن الزعامة فى ساعة الخطر أسمى من المواريث والتقاليد، وفوق العرف والعادات إنها المواهب وكفى.
استعد الأشراف بحكم منزلتهم ومنصبهم لتلقى راية العبادة من النبى الكريم، ولكن النبى الكريم عدل بها إلى رجل من عامّة الناس، إنه أعطى الراية طالوت، وما طالوت إلا سقّاء أو دباغ من سبط بنيامين الذى لم يتشرّف من قبل بالملك ولا بالنبوة؟! وهنا وقع ما ينتظر من تقلّب النفوس، وتحرّك الأهواء، فهبّ الأشراف والنبلاء ينكرون على طالوت حقّه المكسوب، ويقولون فى عزّة وإباء: (أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ).
يا سبحان الله حتى فى ساعة الخطر لا يريد الناس أن يتحرّروا من الأوهام! ولكن النبى الكريم أجابهم فى هدأة وسكون: إن الله اختاره لكم لموهبته، إنه أقواكم جسما والجهاد فى حاجة إلى القوة، إنه أوسعكم علما والجهاد فى حاجة إلى العلم، لهذا اصطفاه الله عليكم، ولهذا آثره الله بالملك، ولهذا أيّده الله لأول أمره بأن أعاد إليكم التابوت والتوراة، وما فيهما من خير تركه آل موسى وآل هارون.
أيّتها الأمة المجاهدة: اختارى الرجال للقيادة، واجعلى الأساس المواهب والرجولة، ودعى ما سوى ذلك من المقاييس، واعلمى أن أساس النهضات: قوة وعلم، أو عقل وجسم، يمدهما إيمان ثابت، ويقين راسخ، وشعور فيّاض، فهل أنتم سامعون؟! وبذلك ينتهى الدور الأول من أدوار تكوين الأمة المجاهدة، فنرى جماعة اتّحدت على المطالبة بحقّها، وتعاونت قوتها الروحية والعملية فى سبيل الوصول إلى هذا الحق، ووجد القائد الذى ترتكز بيده الراية ومن خلفه الجنود يرقبون ساعة الجهاد، وسنرى بعد ذلك من أمرهم ما سيكون.
[جهاد النفس قبل جهاد العدو]
ها هي الأمة المجاهدة قد سوّت صفوفها، وأعدت كتائبها، ووقفت مع قائدها، تنتظر الأمر، وترقب النصر، ولكن هل هذا يكفى؟ هل مجرّد دعوى المدّعين ترفعهم إلى صفوف المجاهدين؟ وهل كل من زعم أنه بطل شجاع وعامل مجدّ يكون كذلك إذا جدّ الجد؟ ذلك ما تثبت التجربة خلافه، وذلك ما ينقضه تاريخ نهضات الأمم، وذلك ما يعلم الله أن نفوس البشر لم تطبع عليه.
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 228